التداول الآلي بالذكاء الاصطناعي: دليل المستثمر لعام 2025

يشهد عالم الاستثمار تحولًا مذهلًا بفضل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (AI) والبرمجيات المتقدمة التي باتت تلعب دورًا محوريًا في أسواق المال. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم مستقبلي، بل أصبح واقعًا ملموسًا يُعيد تشكيل كيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية وإدارة الصفقات.

التداول الآلي بالذكاء الاصطناعي: دليل المستثمر لعام 2025

في عام 2025، يُتوقع أن يشهد الذكاء الاصطناعي نضوجًا كبيرًا في الشركات، حيث يتجه وكلاء الذكاء الاصطناعي ليصبحوا محركًا رئيسيًا للكفاءة، الأتمتة، والابتكار التشغيلي.

تُظهر الدراسات الحديثة أن تبني الذكاء الاصطناعي يتسارع بشكل لافت. يشير استطلاع أجرته Cloudera إلى أن 96% من المؤسسات تخطط لزيادة استخدامها لوكلاء الذكاء الاصطناعي خلال الاثني عشر شهرًا القادمة، بينما يعتقد 83% من القادة أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ضروري للبقاء تنافسيًا. هذا الإجماع الواسع على أهمية الذكاء الاصطناعي لا يعكس مجرد الرغبة في تحسين الكفاءة، بل يؤكد على أنه أصبح شرطًا أساسيًا للشركات التي تسعى للحفاظ على مكانتها والتفوق في بيئة السوق المتغيرة. يؤدي هذا الضغط التنافسي إلى تسريع وتيرة تبني الذكاء الاصطناعي، مما يخلق حلقة تغذية راجعة إيجابية حيث يدفع نجاح المتبنين الأوائل الآخرين لمواكبتهم، وبالتالي يزداد تركيز رأس المال نحو تطوير البنية التحتية والحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، مما يؤثر بدوره على تقييمات أسهم الشركات الرائدة في هذا المجال. 

ما هو التداول الآلي؟

تعريف ومفاهيم أساسية

• التداول الآلي (Automated Trading): هو أسلوب تداول يتم فيه تنفيذ الأوامر بواسطة برامج خاصة نيابة عن المتداول، وفق نظام محدد مسبقًا، ودون تدخل بشري مباشر.
• التداول الخوارزمي (Algorithmic Trading): هو مرادف للتداول الآلي، ويُعرف بأنه استراتيجية استثمار حديثة تعتمد على برامج حاسوبية متطورة تستخدم الخوارزميات الرياضية والقواعد المحددة مسبقًا لتنفيذ الصفقات تلقائيًا.
• روبوتات التداول (Trading Bots): هي تلك البرمجيات المعقدة المصممة لتحل محل العنصر البشري في إدارة صفقات التداول عبر الإنترنت، حيث تسمح للمستخدم بتحديد القواعد والشروط لدخول الصفقات والخروج منها، ثم تقوم بمراقبة السوق وتنفيذ الأوامر تلقائيًا عند توافر هذه الشروط.

آليات الاستثمار عبر باستخدام الـ AI 

تبدأ عملية التداول الآلي بتحديد المتداول لاستراتيجية تداول واضحة، والتي يمكن أن تتراوح بين البساطة والتعقيد. تُحوّل هذه الاستراتيجية بعد ذلك إلى خوارزمية قابلة للتنفيذ باستخدام لغات برمجة متخصصة مثل MQL4/MQL5 لمنصات MetaTrader، أو لغات عامة مثل بايثون. تراقب الخوارزمية السوق بشكل مستمر، وتُولد إشارات التداول عندما تتحقق الشروط المحددة مسبقًا، مثل تقاطعات المتوسطات المتحركة، أو مؤشر القوة النسبية (RSI)، أو مؤشر MACD، أو مؤشر ADX. 

بمجرد توليد الإشارة والتحقق منها، يقوم النظام بتنفيذ الأوامر تلقائيًا بسرعة ودقة فائقة، مما يقلل من التأخير ويستفيد من الفرص اللحظية. تتضمن العملية أيضًا تحسين النظام واختباره باستخدام البيانات التاريخية، وهي عملية تُعرف بـ "الاختبار الخلفي" (Backtesting)، لتقييم أدائه في ظروف سوق مختلفة. بعد التأكد من فعالية النظام في البيئة التجريبية، يتم نشره بحذر في حسابات تداول حقيقية، مع التأكيد على أهمية إدارة المخاطر والمراقبة المستمرة. يجب أن يتضمن النظام قواعد مدمجة لحماية رأس المال مثل أوامر وقف الخسارة وجني الأرباح، مع مراجعة الأداء بانتظام لضمان التكيف مع ظروف السوق المتطورة. 

من الجوانب المهمة في التداول الآلي، أنه على الرغم من تعريفه بأنه يتم "بدون تدخل بشري" ويُبرز "إزالة العنصر العاطفي"، إلا أن الإعداد الأولي للنظام يتطلب من المتداول البشري "تحديد استراتيجية التداول الخاصة به" و "وضع القواعد". هذا يوضح أن جودة نظام التداول الآلي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالخبرة البشرية والبصيرة المضمنة في برمجته الأولية. فلكي يتمكن النظام من إزالة العاطفة البشرية من التنفيذ، يجب أولًا تطبيق قدر كبير من الذكاء البشري والانضباط في التصميم. هذا يعني أن التداول الناجح بالذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى استبدال البشر بالكامل، بل إلى تعزيز قدراتهم، بتحويل دور المتداول من التنفيذ في الوقت الفعلي إلى التصميم الاستراتيجي والمراقبة والتحسين.

اقرأ عن الخطوات الأساسية التي تساعدك على الاعتناء بأموالك وبناء مستقبل مالي مستقر

كيفية الاستثمار والتداول بالذكاء الاصطناعي في 2025

استراتيجيات التداول المدعومة بالذكاء الاصطناعي

يُستخدم الذكاء الاصطناعي في التحليل الأساسي والفني للسوق، والتنبؤ بالاتجاهات، وإدارة المخاطر، والاستفادة من المعلومات اللحظية لاتخاذ قرارات سريعة وصحيحة. من أبرز الاستراتيجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي: 

• التداول الخوارزمي: يعتمد على خوارزميات تتخذ قرارات التداول بناءً على البيانات التاريخية، مستفيدة من التعلم الآلي والتعلم العميق لتقييم اتجاهات السوق والأخبار المالية. 
• التداول الكمي: يستخدم نماذج كمية لفحص أسعار الأسهم وأحجام التداول، وتحديد الفرص الاستثمارية المثلى، وغالبًا ما يستخدم لتنفيذ عمليات كبيرة. 
• النمذجة التنبؤية: تستخدم البيانات التاريخية للتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، حيث تعالج خوارزميات الذكاء الاصطناعي بيانات العمليات الشاملة لتوقع تحركات السوق. 
• نمذجة المخاطر: يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء نماذج المخاطر من خلال تحليل البيانات التاريخية لتقييم النتائج المحتملة المختلفة وتعديل المحافظ الاستثمارية. 
• تحليل المشاعر السوقية: تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP) تحليل الأخبار والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لاستخلاص مشاعر السوق تجاه سهم معين، مما يوفر رؤى قيمة للمتداولين.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التداول المالي

تتعدد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التداول المالي لتشمل جوانب حيوية:



• تحليل البيانات الضخمة: يتيح الذكاء الاصطناعي القدرة على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات المالية والاقتصادية والتاريخية بسرعة ودقة غير مسبوقة، مما يمكن المستثمرين من اتخاذ قرارات مستنيرة. 
• توقع حركات الأسعار: باستخدام تقنيات التعلم الآلي، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بحركات الأسعار المستقبلية للأسهم بدقة أكبر، مما يساعد في تحديد الفرص الاستثمارية. 
• تنفيذ الصفقات: يمكن برمجة الذكاء الاصطناعي لتنفيذ الصفقات تلقائيًا وفقًا لإشارات محددة مسبقًا، مما يزيد من فرص الربح ويقلل من الأخطاء البشرية. 
• إدارة المخاطر: يساعد الذكاء الاصطناعي المستثمرين في تحليل وإدارة المخاطر في محافظهم الاستثمارية، وتحديد الفرص والتهديدات المحتملة للحد من الخسائر وحماية رأس المال. 
• إدارة المحافظ الآلية: تعتمد هذه المحافظ على الذكاء الاصطناعي لتحديد التوزيع الأمثل للأصول، مع إمكانية إعادة التوازن تلقائيًا بناءً على تغيرات السوق. 
• تحسين تجربة العملاء: من خلال المساعدين الافتراضيين وروبوتات الدردشة التي تقدم الدعم في الوقت الفعلي والمشورة المالية المخصصة، مما يعزز رضا العملاء.

ما هي أسهم الذكاء الاصطناعي؟

تشير أسهم الذكاء الاصطناعي إلى أسهم الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، تطبيقاتها، أو خدماتها، أو تلك التي توفر الأجهزة، البرامج، الخدمات، أو الخبرة اللازمة لهذه التكنولوجيا. يُتوقع أن ينمو التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي بشكل كبير مع دمجه في عمليات الشركات عبر صناعات متنوعة مثل التصنيع، الرعاية الصحية، التمويل، التسويق، التعليم، والموارد. 

طرق الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي

يوجد عدة طرق للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، تتطلب كل منها دراسة عميقة وتخطيطًا جيدًا لضمان تحقيق النتائج المرجوة:

• الاستثمار المباشر في الأسهم الفردية: يمكن للمستثمرين شراء أسهم في الشركات المدرجة في البورصة والتي تنمو باستمرار نتيجة لاهتمامها بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتطلب هذا البحث عن الشركات المبتكرة وذات الإيرادات المتزايدة من حلول الذكاء الاصطناعي. 
• صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs): توفر صناديق الاستثمار المتداولة وسيلة فعالة وسهلة للاستثمار في أسهم الذكاء الاصطناعي، مما يوفر تعرضًا أوسع للقطاع. تتكون هذه الصناديق من سلة من الشركات المتداولة علنًا والمشاركة في جميع مراحل الذكاء الاصطناعي، من التطوير إلى التنفيذ. 
• الاستثمار في الشركات الناشئة: يمكن الاستثمار في الشركات الناشئة عن طريق المشاركة في الصناديق التي تدعم الشركات الصغيرة مقابل حصة من الأسهم، أو صناديق رأس المال المغامر. 

تحليل لأبرز الشركات الواعدة في مجال الذكاء الصناعي وتوقعات الأداء لعام 2025

يُتوقع أن يشهد عام 2025 استمرارًا في نمو أسهم الذكاء الاصطناعي، مع تركيز المستثمرين على الشركات التي تُظهر ابتكارًا قويًا وقدرة على تحقيق إيرادات ملموسة من تقنياتها. فيما يلي تحليل لأبرز الشركات الواعدة:

• NVIDIA (NVDA): تظل إنفيديا لاعبًا مهيمنًا في مشهد الذكاء الاصطناعي، ويرجع ذلك أساسًا إلى وحدات معالجة الرسومات (GPUs) المتقدمة التي تُعد ضرورية لأعباء عمل الذكاء الاصطناعي. تمتلك الشركة 98% من حصة سوق وحدات معالجة الرسومات لمراكز البيانات. 
• Broadcom (AVGO): تُعد Broadcom واحدة من أكبر الشركات المتخصصة في تصميم وتطوير أشباه الموصلات والدوائر المتكاملة، وهي مكون أساسي لدعم صناعة الذكاء الاصطناعي، خاصة مراكز البيانات. 
• Microsoft (MSFT): تموضعت مايكروسوفت كقائدة في الذكاء الاصطناعي المؤسسي عبر منصة Azure AI. عززت شراكتها الاستراتيجية مع OpenAI عروضها في الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل ChatGPT)، مع تطبيقات تمتد إلى Office 365 وDynamics.
• Alphabet (GOOGL): بوصفها الشركة الأم لجوجل، جعلت ألفابت الذكاء الاصطناعي محورًا لعملياتها. تدفع الشركة الحدود في مجالات القيادة الذاتية، والتحليلات التنبؤية، ومعالجة اللغة الطبيعية من خلال مبادرات مثل DeepMind وWaymo وخدمات Google Cloud AI، وتدمج الذكاء الاصطناعي في خوارزميات الإعلانات.

التعرف على الأنماط في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في التداول

يُعد التعرف على الأنماط من أبرز مجالات الذكاء الاصطناعي الواعدة، حيث يُستخدم كأحد أساليب التعلم العميق لتحليل الصور والبيانات في مجالات متعددة مثل الطب، الأحياء، الكيمياء، والأسواق المالية. في السنوات الأخيرة، حظيت هذه التقنية باهتمام متزايد من قِبل مطوري أنظمة التداول الخوارزمية، وذلك لقدرتها على كشف الأنماط المتكررة في حركة أسعار الأصول المالية.

تعتمد هذه الأنماط على السلوك البشري والتحيزات النفسية، ما يجعل تكرارها أمرًا متوقعًا في الأسواق المختلفة. ولأن بعض خوارزميات التداول الذكية تُحاكي هذا السلوك البشري، وتستند في أدائها إلى المعرفة والخبرة، فإنها قادرة على تعزيز قوة هذه الأنماط وتحقيق أداء تداول متفوق.

من أشهر أدوات التعرف على الأنماط في الأسواق المالية هي تشكيلات "الشموع اليابانية" ومستويات الدعم والمقاومة. تُستخدم هذه الأدوات لرصد إشارات الشراء والبيع، حيث تم فحص نمط "الابتلاع" على وجه الخصوص في سوق البيتكوين، وأظهرت النتائج قدرته على التنبؤ بتحولات اتجاه الأسعار بدقة ملحوظة، مع تحقيق عامل ربح بلغ 3.54 بين عامي 2012 و2020، أي أن الأرباح كانت تفوق الخسائر بمقدار 3.54 مرة.

يمكن الاستفادة من هذه النتائج عمليًا، سواء من قِبل المتداولين الأفراد الذين يراقبون الرسوم البيانية يدويًا، أو من خلال أنظمة تداول آلية تتعرف على الأنماط وتنفذ أوامر البيع والشراء تلقائيًا.

كما قام باحثون آخرون بتحليل حركة أسعار الأصول المالية باستخدام أدوات إحصائية مثل الانحدار الخطي والقنوات الديناميكية كـ Bollinger Bands وKeltner Channels. وبناءً على دراسة شملت بيانات يومية تمتد لأكثر من 20 عامًا لخمسة معادن ثمينة (الذهب، الفضة، النحاس، البلاتين، والبلاديوم)، تبيّن أن الانحدار الخطي يُعد الأنسب للتنبؤ بأسعار الذهب والفضة، في حين توفر Bollinger Bands نتائج أفضل مع البلاديوم.

اعتمد الباحثون أيضًا على أنظمة خوارزمية متقدمة تتضمن وحدات تحكم منطقية ضبابية، تعتمد على أنماط الشموع ومؤشرات BB لإنتاج إشارات تداول تتنوع بين الشراء، الاحتفاظ، والبيع. وبتطبيق هذه المنهجية على تداول أسهم "Taiwan 50"، أظهرت النتائج إمكانية التفوق على أداء السوق، خاصة عند تنفيذ صفقات شراء عند ملامسة السعر للنطاق السفلي من Bollinger Band، والبيع عند ملامسة النطاق العلوي.

يُستخدم التعرف على الأنماط أيضًا في مختلف مجالات التنبؤ الأخرى، اعتمادًا على القدرة البشرية على استيعاب البيئات الفوضوية ذات البنى المتكررة. ويرتكز هذا النهج على فرضية أن الأنماط السابقة ستتكرر في المستقبل. ومع ذلك، تظل هذه الفرضية غير مضمونة دائمًا، إذ يمكن أن تتغير أنماط الأسعار مع مرور الوقت وتختلف من أصل مالي لآخر.

مستقبل التداول والذكاء الاصطناعي

يُعد التداول المدعوم بالذكاء الاصطناعي خيارًا واعدًا للمستثمرين الذين يسعون للاستفادة من الفرص السريعة في الأسواق العالمية. بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاتجاهات، وتنفيذ الصفقات بسرعة ودقة، فإنه يُمكن المستثمرين من تحسين أدائهم الاستثماري بشكل كبير. 

ومع ذلك، فإن هذا المجال المتطور لا يخلو من التحديات. فبالإضافة إلى المخاطر الفنية والتشغيلية، يجب على المستثمرين التعامل بحذر مع التقلبات السوقية التي قد يضخمها التداول الآلي، وكذلك مع المشهد التنظيمي المتطور. إن الحاجة إلى الشفافية والمساءلة في أنظمة الذكاء الاصطناعي (XAI) ستصبح أكثر إلحاحًا لضمان الثقة والامتثال. 

المصادر:

ieeexplore

mdpi