المدونة
مخاطر التداول عبر الإنترنت: تقييم شامل للمخاطر والتحديات
مدرس شغوف بسوق الأسهم والاقتصاد

آخر تحديث
الوقت المتوقع للقراءة 4 د.فهرس المحتوى
يُمثل التداول عبر الإنترنت، خاصة من خلال المنصات السريعة التي تتيح تداول العملات المشفرة والأسهم في الوقت الفعلي، مجالاً جديداً يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببعض السلوكيات الإدمانية والمشاكل المتعلقة بالصحة العقلية.
مخاطر التداول عبر الإنترنت: تقييم شامل للمخاطر والتحديات
تُعرف هذه المنصات بأنها تجلب سلوكيات شبيهة بالمقامرة إلى سوق الأوراق المالية، وقد أصبحت محط أنظار واهتمام المتخصصين في هذا المجال. تختلف هذه المنصات عن الاستثمار التقليدي، حيث توفر إمكانية سريعة وسهلة للدخول في فرص ومخاطر استثمارية مختلفة ومتنوعة، وتجذب بشكل خاص الأفراد الذين يُظهرون سلوكيات مفرطة. إن استخدام منصات التداول السريعة وتداول العملات المشفرة يرتبط بشكل كبير بزيادة السلوكيات الإدمانية ومشاكل الصحة العقلية، مما يؤكد على ضرورة فهم المخاطر الكامنة في هذا النوع من التداول [1].
ما معنى التداول عبر الإنترنت؟
التداول عبر الإنترنت هو عملية شراء وبيع الأدوات المالية عبر الشبكة العنكبوتية، ويشمل العديد من الأشكال التي تقع ضمن نطاق يتراوح بين المضاربة قصيرة الأجل والاستثمار طويل الأجل [1]. على عكس الاستثمار التقليدي، الذي يعتمد على الاحتفاظ بالأصول لفترات طويلة، فإن التداول السريع والمضاربة يتم تعريفهما بأنهما أفعال مالية ذات مخاطر أعلى وطبيعة قصيرة الأجل.
لقد فتحت منصات وتطبيقات التداول عبر الإنترنت الباب أمام الكثيرين للمشاركة في التداول اليومي. بعض هذه المنصات تُعرف مهمتها بأنها "إضفاء الطابع الديمقراطي على التمويل للجميع"، مما يتيح للمستخدمين تداول الأسهم بشكل فوري، وغالباً بدون عمولة. كما توفر هذه التطبيقات خيارات استثمارية عالية المخاطر مثل الرافعة المالية، التي تستخدم رأس مال مقترض لتضخيم الخسائر والأرباح على حد سواء، وتحمل خطر فقدان رأس المال بالكامل في عمليات التصفية الإجبارية. يعتبر تداول العملات المشفرة، الذي يتم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وبرافعة مالية تصل إلى أكثر من مئة، واحداً من أسرع الأسواق نمواً في العالم، ويعتبره الاقتصاديون نشاطاً عالي المضاربة ويشبه اليانصيب [1].
كيف تخسر نقودك في التداول الإلكتروني؟
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى الخسارة في التداول الإلكتروني، وكثيراً ما ترتبط بالمنصات نفسها أو بسلوك المتداول. من أبرز هذه الأسباب:
- استخدام أدوات عالية المخاطر: توفر منصات التداول أدوات مثل الرافعة المالية التي يمكن أن تضاعف الخسائر، مما قد يؤدي إلى فقدان رأس المال الخاص بك بالكامل في عمليات التصفية الإجبارية [1].
- السلوك الإدماني: تظهر الدراسات أن مستخدمي منصات التداول السريع وتداول العملات المشفرة يميلون إلى السلوكيات الإدمانية مثل المقامرة المفرطة، واستخدام الألعاب والإنترنت بشكل مفرط. هذا الارتباط القوي بين التداول السريع والسلوكيات المفرطة يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية ومتسرعة، مما يزيد من احتمالية الخسارة [1].
- غياب الضوابط واليقين: على الرغم من أن التداول الإلكتروني يوفر سهولة الوصول، فإن نقص الضوابط التنظيمية يمكن أن يؤدي إلى الجهالة (gharar) وعدم اليقين، مما يجعل المعاملة عرضة للخسارة والضرر [2].
هل التداول الإلكتروني حرام؟
من منظور الفقه الإسلامي، يمكن القول إن تداول العملات المشفرة يفي ببعض شروط عقد البيع والشراء في الصرف، ولا يحتوي على الربا لأنه لا توجد رسوم إضافية في عملية التبادل، ويتم معالجته على الفور [2، ص. 72]. إن طبيعة معاملات العملات المشفرة مشابهة لتداول العملات الأجنبية بشكل عام من حيث العقود والمبادئ [2، ص. 73].
ما يجعل تداول العملات المشفرة محظوراً، من منظور قانوني وتنظيمي، هو غياب الإجراءات التنظيمية الكافية، مما يسبب الجهالة (عدم اليقين)، ويمكن أن يؤدي إلى الضرر في عملية الشراء والبيع. ولهذا، فإن تنظيم تداول العملات المشفرة ضروري لضمان وحماية المستخدمين وتجنب وقوعه في أنشطة غير مشروعة مثل الأسواق السوداء وغسيل الأموال [2، ص. 85].
من وجهة نظر الشريعة، فإن مفهوم الشراء والبيع في الإسلام، والذي تم تنظيمه في فقه المعاملات، يتكون من أربعة أركان: البائع والمشتري، السلعة والثمن، والإيجاب والقبول. وقد شهدت هذه الأركان توسعاً في معناها لتتناسب مع العصر الرقمي [2، ص. 74]. فعلى سبيل المثال، شرط "السلعة والثمن" أصبح يشمل المعاملات التي تتم عبر التحويلات الرقمية مثل أجهزة الصراف الآلي، طالما أن الطرفين على علم ورضا. وبالمثل، فإن شرط "الإيجاب والقبول" في "مجلس واحد" قد اتسع ليشمل "اللقاء الافتراضي" عبر الإنترنت، حيث يمكن أن يتم البيع والشراء من أي مكان في العالم طالما أن هناك اتصالاً بالإنترنت [2، ص. 75].
لذلك، فإن قبول العملات المشفرة يعتمد على وجود لوائح واضحة لإزالة وضعها غير القانوني، لأنها في الواقع يمكن أن تقدم فوائد ملموسة. لكن إذا لم يكن هناك تنظيم، فيُخشى أن تكون طبيعتها قريبة من الجهالة وغير متوافقة مع المبادئ الإسلامية [2، ص. 76].
كيف تقوم بحساب المخاطر؟
يتم استخدام مصطلح "المخاطرة" في عالم المال بطريقتين مختلفتين ولكنهما مرتبطتان: إما كالانحراف المعياري للإيرادات المحتملة أو مقدار الخسارة المحتملة [3، ص. 1]. إن تحليل مخاطر السوق ومخاطر الطرف المقابل يركز بشكل كبير على المخاطر بوصفها خسارة محتملة. يتم وصف طرق قياس الخسارة المحتملة للقيمة الاقتصادية لمحفظة من العقود المالية في سياق محدد، يشمل الإطار الزمني الذي قد تحدث فيه الخسائر (مثل يوم واحد أو سنة واحدة)، ومستوى الثقة الذي سيتم عنده قياس الخسارة المحتملة (مثل 95% أو 99%) [3، ص. 1].
يأتي التمييز بين المنظور الاقتصادي والمنظور المحاسبي للمخاطر لأن الدخل من العقود المالية يمكن أن يُحسب بطريقتين:
- المحاسبة على أساس الاستحقاق (Accrual accounting): وهي طريقة شائعة لحساب محفظة القروض والودائع.
- المحاسبة على أساس القيمة السوقية (Mark to market accounting): وهي الطريقة المعتمدة في محافظ التداول، وتعتبر مكافئة للقياس المستمر للقيمة الاقتصادية [3، ص. 2].
بالإضافة إلى ذلك، هناك ثلاثة أنواع رئيسية من المخاطر في التداول وهي:
- مخاطر التقييم (Valuation risk): وتتعلق بالأخطاء في نماذج التقييم المستخدمة.
- مخاطر السوق (Market risk): وتنشأ من التغيرات في أسعار السوق.
- مخاطر الطرف المقابل (Counterparty credit risk): وتتعلق بفشل الطرف الآخر في تنفيذ التزاماته [3، ص. 1].
تعمل نماذج التقييم ضمن أنظمة متكاملة تُسمى أنظمة إعادة التقييم لتحديد الأخطاء المحتملة في التقييم، يجب فهم المكونات الأساسية لهذه الأنظمة، والتي تشمل إدخال بيانات السوق الخام، وتحويل هذه البيانات، وتطبيق نماذج التقييم المناسبة [3، ص. 5].
كيف أتعلم التداول من الصفر؟
يجب على المتداولين المبتدئين أن يفهموا أن التداول يمثل تحدياً عقلياً، ويتطلب تطوير مهارات تحليلية جيدة وفهماً عميقاً للرياضيات. الأسواق مصممة لجرد الأموال من المتداولين المبتدئين، وتتطلب النجاح تجاوز حواجز متعددة [4، ص. 25].
من أهم الحواجز التي تواجه المبتدئين هي تكاليف المعاملات مثل العمولات والرسوم الأخرى، والتي قد تبدو ضئيلة في البداية ولكنها تتراكم لتأكل جزءاً كبيراً من رأس مال المتداول. على النقيض، يركز المتداولون المحترفون على تقليل هذه التكاليف بشتى الطرق [4، ص. 31].
يجب على المتداول المبتدئ أن يتحلى بموقف من الشك الصحي تجاه النصائح والخدمات [4، ص. 32]، وأن يتجنب الخدمات باهظة الثمن التي تعد بتقديم "مفاتيح المملكة" أو حلول سحرية [4، ص. 32]. ينصح المحتوى بتجنب الخدمات التي لا يفهمها المتداول أو التي لا توفر مصادر موثوقة، والبحث عن خدمات بأسعار معقولة [4، ص. 31].
يعد حجم رأس المال في الحساب عاملاً حاسماً للنجاح. فالمتداول الذي يمتلك حساباً صغيراً لا يملك الاحتياطيات الكافية للنجاة من سلسلة خسائر قصيرة، والتي تحدث دائماً حتى لأفضل المتداولين [4، ص. 33]. بينما الشخص الذي يمتلك حساباً كبيراً ويراهن بجزء صغير منه يمكنه الحفاظ على هدوئه والنجاة من فترات التقلب في السوق [4، ص. 33].
أما بالنسبة للتحليل، فيجب على المتداول المبتدئ أن يتعلم نوعين أساسيين من التحليل: [4، ص. 41]:
- التحليل الأساسي (Fundamental Analysis): يركز على العوامل السياسية والاقتصادية التي تؤثر في أسعار الأصول [4، ص. 41].
- التحليل الفني (Technical Analysis): يدرس الرسوم البيانية للأسعار للعثور على أنماط متكررة وتحديد الاتجاهات [4، ص. 41].
يجب على المتداولين دمج كلا النوعين من التحليل، حيث يجب أن يتم تأكيد الأفكار الأساسية بواسطة المؤشرات الفنية قبل اتخاذ أي قرار. إن النجاح في التداول يتطلب مرونة عالية، واستعداداً للتعلم المستمر، والقدرة على تقييم الأمور بشكل موضوعي دون التمسك بالآراء الثابتة [4، ص. 44].
في النهاية، يتبين أن التداول عبر الإنترنت، رغم كونه وسيلة حديثة للوصول إلى الأسواق المالية، يحمل في طياته مخاطر متعددة الأبعاد. فمن الناحية المالية، لا تقتصر المخاطر على تقلبات السوق فحسب، بل تمتد لتشمل استخدام أدوات عالية المخاطر كالرافعة المالية، التي تزيد من احتمالية الخسائر الكبيرة. ومن منظور السلوك البشري، أظهرت الدراسات ارتباط التداول السريع بالسلوكيات الإدمانية ومشاكل الصحة العقلية، مما يؤكد أن النجاح لا يعتمد فقط على المعرفة بالسوق، بل على الانضباط النفسي وإدارة العواطف.
أما من الناحية الشرعية، فقد أوضحت التحليلات الفقهية أن التداول الإلكتروني ليس محرماً بطبيعته، ولكنه يثير قضايا تتعلق بوجود الضرر والجهالة في ظل غياب التنظيمات الصارمة، مما يجعل اللوائح الشرعية والحكومية ضرورة ملحة. وأخيراً، فإن تعلم التداول من الصفر يتطلب أكثر من مجرد الإلمام بالتحليل المالي، بل يستلزم فهماً عميقاً لتحديات رأس المال، والقدرة على التمييز بين النصيحة المضللة والصادقة، والمرونة الكافية للتكيف مع تقلبات السوق المستمرة. إن الطريق إلى النجاح في هذا المجال يتطلب تقييماً شاملاً لهذه الجوانب قبل الانطلاق في أي استثمار.
المصادر:
[1] A. Oksanen, E. Mantere, I. Vuorinen, & I. Savolainen. (2022). Gambling and online trading: emerging risks of real-time stock and cryptocurrency trading platforms. Public Health,
[2] Amalin, G. (2018). The Legality of Cryptocurrency Trade in Accordance with the Principles of Islamic Banking Law (Bachelor's thesis). Universitas Islam Indonesia, Yogyakarta.
[3] M. A. H .Dempster. (Ed.). (2002). Risk Management: Value at Risk and Beyond. Cambridge University Press.
[4] Elder, A. (2014). Financial Trading for Babes in
the Woods. John Wiley & Sons.